متنصِّرون أم معترفون ؟!
بقلم الحمامة الحسنة
رداً على مقال للأستاذة فاطمة ناعوت تنفي فيه كتابتها لأحد الكتب المنسوبة إليها،وعنوانه: «اضطهاد المتنصِّرين» وسواء قامت بتأليفه أو لم تؤلِّفه فهذا لايهمنا، مايهمنا هو تعليقها على عنوان الكتاب وإنتقادها لمسمى « المتنصرين» .
فهي مشكورة كتبت أن مسيحي مصر ليسوا هم أولئك « النصارى» الذي ينتمون إلى الناصرة،وهذا خطأً لغوياً وتاريخياً كبير، وإن كان لايهمنا توضيح أصل تسمية « نصارى» وهو مصطلح قرآني، ولكن لم يسجل لنا التاريخ أبداً أنهم دُعيوا نصارى لإنتمائهم لمدينة «الناصرة»، فجمع كلمة « ناصرى» هو (ناصريون أو ناصريين) وليس «نصارى»، لذلك تعجبت كما تعجب الكثيرين مما كتبته الأستاة فاطمة من أنها وعلى حد قولها ( لم تفهم) معني كلمة “متنصر” وأبدت تعجبها ( ورفضها ) لهذا المصطلح قائلة : (أرفضُ مصطلح: «متنصّرين»)، ولانعرف على وجه الدقة سبب رفضها لهذا المصطلح الإسلامي الذي تضرب جذوره في عمق القرآن والعقيدة الإسلامية لأنه مشتق من المصطلح القرآني « النصارى»، ولم تقل هل هي ترفض مصطلح «المتنصرين» لأنها لم تفهمه حقاً كما قالت، أم رفضها وإندهاشها جاء نتيجة رفضها للمتنصرين أنفسهم؟! فالمسيحي رغم تسميته رغماً عن أنفه بهذا المصطلح القرآني «نصراني» والمشتق منه كلمة «متنصر» فرغم هذه التسميات الغريبة عنه وعن إيمانه المسيحي ولكنه لم يعترض على مدار 1400 عاماً منذ الإحتلال العربي لمصر القبطية، فلماذا الإعتراض الآن من الإخوة المسلمين على تسمية « متنصرين» ؟! فالتسمية بالنصارى أو المتنصرين لاتهمنا في ظاهرها، لأننا نعلم جيداً أن الإنجيل أسمانا مسيحيين كذلك من دخلوا الإيمان من خارج حظيرة المسيح هم أيضاً مسيحيين، فما يهمنا هو مضمون الإيمان مهما حاول أعداء المسيح تسميتنا أو طمس هويتنا الدينية أو تكفيرنا.
حقيقةً إندهشتُ كثيراً كيف تدعي الأستاذة فاطمة عدم فهمها ورفضها لمسمى «متنصر» وهي تسمية مشتقة من نصارى القرآن ؟!
فإن كان أغلبية المسلمين يطلقون علينا نحن المسيحي المولد مسمى «النصارى»، فليس بمستغربٍ أن يُطلقوا على العابرين الجُدد أيضاً مسمى « متنصرين »، ليمارسوا عليهم نفس الطقوس التكفيرية أيضاً مثل أولئك النصارى المغضوب عليهم والذين هم نحن المسيحيين !
لذلك فالأستاذة فاطمة إذا كانت حقاً وكما تقول أن إهتمامها الأكبر هو حقوقُ المواطنة لكل المصريين، وعدم ربط المواطَنة بالعقيدة، فمن ينادي بالدولة العلمانية لايهاجم ولايستنكر ولا يحاول التسفيه والتقليل من معتقدات غير المسلمين، لمجرد أنهم إختاروا عقيدتهم وإيمانهم وهذا حقهم الإنساني، وإن كانت تؤمن حقاً بأن أجداد المسلمين هم في الأصل مسيحيين في قولها: ( فهم بهذا أجدادُنا، نحن مسلمى مصر الراهنين) فهذا بالتأكيد ومما لاشك فيه أن العابرين الجُدد هم أيضاً أجدادهم كانوا مسيحيين من أقباط مصر الأصليين والذين لم يدفعوا الجزية فكان أمامهم إختيارين لا ثالث لهما وهما إما أن يدخلوا الإسلام عنوة يا إما يقتلوا ويصيروا ضمن الشهداء الذين خلدت ذكراهم الكنيسة القبطية وهم بالملايين كما تعلم!
فلماذا تندهش من رجوعهم هؤلاء المصريين لديانتهم الأصلية وهي ديانة أجدادهم المسيحيين؟! فالمثل يقول: ( العرق يمدّ لسابع جد) أليس كذلك؟ فمن يدعي العلمانية يكون هو نفسه أول المدافعين عن حقوق الإنسان وحريته في إختيار عقيدته، لا أن ينبذه ويعيب على تسميته بالمتنصرين.
من هنا كان على الأستاذ فاطمة ألا تتبرأ من المسيحيين العابرين بإدعائها عدم فهمها لهذا المسمى المشتق عن قرآنها ذاته، وإلا تكون بإستنكارها لهم هو نوع من العنجهية والتكبر في إزدرائهم وعدم الإعتراف بوجودهم، وهنا أقول لها أن المباديء لاتتجزأ أختنا الكريمة، فالمناداة بمصر العلمانية وبالمواطنة وبحقوق الإنسان لايُنادي بها لفئة دون فئة أخري، و ألا نتعامل في معاملاتنا الإنسانية على أساس الدين ولا العرق ولا اللون وهذه أول خطوات المواطنة والمدنية والمعاملة الإنسانية التي ننشدها جميعاً، وبالتالي ليس بوسعي غير أن أقول : ( اسمع كلامك اصدَّقك اشوف أمورك أستعجب).
نأتي للنقطة الثانية وهي التعريف بمن يُطلق عليهم « متنصرين»، وماهو موقف الكنيسة القبطية منهم منذ دخول المسيحية لمصر وتأسيس الكنيسة الأولى على أيدي القديس مارمرقس الرسولي وماذا كانوا ومازالوا تسميتهم قبل الإحتلال العربي لمصر القبطية وقبل تكميم الأفواه وتجريم التبشير وإعتباره أخطر على المصريين من ترويج المخدرات ومن الإنفلات الأخلاقي الذي إجتاح مصر مع قدوم جحافل العرب القادمين من جزيرة الأعراب، بحجة أن التبشير بالمسيح خطر على (دين الأعلون) القادم مع الإحتلال العربي!
فالمؤمنين الجُدد من المصريين الذين آمنوا بالمسيحية وقبلوا المسيح إلهاً ومخلصاً لهم، ولكن لم ينالوا ( سر المعمودية المقدس)، فأطلقت عليهم الكنيسة إسم ( الموعوظ أو الموعوظين) أي «المسيحي الجديد» ، وخصصت لهم الكنيسة الأولى صفوف سُميت بـ ( صفوف الموعوظين) وهي مرحلة (طالبي أو راغبي المعمودية )،يتعلمون فيها الإيمان المسيحي على مدار ثلاثة سنوات متواصلة يمرون فيها بإختبارات تبدأ بمرحلة « السامعون» ثم «الراكعون» ثم آخر مرحلة قبل المعمودية وهي مرحلة « المستنيرون» ثم بعد إنتهاء الصوم الكبير لعيد القيامة المجيد يتم فرزهم وتجهيزهم لمرحلة المعمودية ليصير بعدها مسيحي ضمن رعية المسيح.
ورتبت الكنيسة للموعوظين طقس كنسي في قداس يسمى بإسمهم ( قداس الموعوظين) ليس لأنه يخص الموعوظين فقط بل كان يحضره في الأساس كل المؤمنين، ولكن به جزء عبارة عن طقس كنسي ( ليتورجيا أو خدمة الموعوظين) وهي جزء مخصص لصلوات يُسمح للموعوظين بحضور هذا الجزء الخاص بهم في القداس ثم الإنصراف قبل التناول من الأسرار المقدسة، وكانت هذه الصلوات الخاصة بهم لكي يفتح الله فهمهم وآذهانهم ليفهموا صلوات القداس والإيمان المسيحي قبل أن يتم معموديتهم. وكان لزاماً على الكاهن فرز هؤلاء الموعوظين ليتأكد من إيمانهم أولاً قبل نوالهم «سر المعمودية» وأن إيمانهم خالص للمسيح وليس لمصالح شخصية، لأجل الزواج مثلاً، فالكنيسة لايهمها عدد المؤمنين بقدر ما يهمها الإيمان الحقيقي الخالص للمسيح.
وقد إهتمت مدرسة الأسكندرية اللاهوتية وهي أول جامعة أكليريكية في العالم، أهتمت بهؤلاء الموعوظين وبشرح الإيمان المسيحي لهم، وكانوا هؤلاء الموعوظين هم من الوثنيين الذين آمنوا بالمسيح وجائوا للدراسة والتعليم في مدرسة الأسكندرية قبل أن ينالوا سر العمودية وبعد إجتياز الإمتحانات النهائية كان يُسمح لهم بالمعمودية.
والمؤمنين الجُدد رتبت لهم الكنيسة منزلة خاصة ورفيعة، وخاصة إذا نالوا آلام وعذابات كثيرة لأجل إيمانهم بالمسيح، ولكنهم رغم هذه الآلام والتعذيب ثبتوا في الإيمان المسيحي ولكنهم لم يصلوا لمرحلة الإستشهاد ولم تُسفك دمائهم، فأسمتهم الكنيسة بـ ( المعترفين أو أومولوجيتيس)، فهم (شهداء أحياء) لأعترافهم بإيمانهم علنية وسط آلامهم، ومسمى «المعترفين» عموماً يُطلق على من تم تعذيبهم جسدياً سواء كانوا مسيحيين منذ الميلاد أو من المسيحيين الجُدد، والكلام هنا عنهم وهم (المعترفين الموعوظين)، ومن أمثلتهم القديس بفنوتيوس ( ببنودة أسقف طيبة العليا ) الذي تعرض لعذابات رهيبة وكان له نصيب في حضور مجمع نيقية المسكوني عام 325م وكذلك الأنبا صموئيل المعترف والقديس يوحنا المصري المعترف وغيرهم الكثيرين وحتى هذه اللحظة وكل يومٍ هناك معترفين جُدد يتم تعذيبهم بطرق مختلفة، أما من كان يستشهد من هؤلاء المعترفين نتيجة الآلام والتعذيب الجسدي الشديد مثل الشهيد( مارجرجس المزاحم) وهو قديس من خلفية إسلامية ونال إكليل الإستشهاد وهي المرتبة الأولي والأعلي من مرتبة «المعترفين» التي تأتي في المرتبة الثانية في الترتيب الكنسي، والذين لأجل إعلانهم وتمسكهم بإيمانهم تحملوا آلام الإضطهاد كسيدهم المسيح وتقبلوا هذه الآلام بفرحِ ورضا وشكر لله، وضحوا بكل ثمين لأجل هذا الإيمان، فمثل هؤلاء المعترفين لهم كرامة خاصة في التقليد الكنسي منذ الكنيسة الأولى، فنقرأ في كتاب( التقليد الرسولي)، في الفصل العاشر منه: ( إذا قُيِّدَ معترف من أجل إسم الرب، لا توضَع عليه اليد للشمَّاسيَّة، أو للقسِّيسيَّة. لأنه نال كرامة القسِّيسيَّة باعتراف، لكن إذا أُقيمَ أسقفاً، توضَع عليه اليد…… وإن كان معترفاً لم يُدخَل به أمام السلطة، ولا عوقِب بقيد أو بسجن، ولا أُدينَ بأي عقوبة، بل ازدُرِيَ به فقط، مصادفةً، من أجل اسم ربنا، وعوقِب في البيت. فبرغم أنه قد اعترف بإيمانه، توضَع عليه اليد في كل رتبة يستحقها). ووضع اليد هي الرسامة لرتبة «الشماسية» أو لرتبة الكاهن«القسيسية». فرتبة المعترفين في الكنيسة أعلى من كل رُتبة كهنوتية، حيث قد جاء في التقليد الرسولي للقديس هيبوليتيس ما نصه:
”فإذا كان المُعترِف قد جاز السجن والقيود من أجل ”الاسم المُبارك“ فلا ينبغي أن تُوضع عليه اليد حتى ينال الشموسية أو القسوسية بسبب اعترافه، بدون رسامة أو وضع يد “.
والمعترفين الموعوظين صليبهم أثقل في حمله لأن الشيطان دائماً يحاربهم لأنه يعلم جيداً أنهم ( سحابة شهود) لرب المجد،لأنه: ( سيتمجد في قديسيه ويتعجب منه في جميع المؤمنين)(2تس1: 10) وخاصة في مجتمع متطرف دينياً لايعترف بوجود الأخر وحقه في حرية إختيار عقيدته، فهم منبوذين لتحولهم عن الإسلام لأنهم كافرين بل أشد كفراً وخطراً لأنهم خرجوا عن عبائة الإسلام، الأمرالذي يعتبره الإسلاميين المتطرفين إستفزازاً وإهانة للإسلام وللمسلمين وجب معها إقامة حد الرِدِّة عليهم ! فمن هنا صار صليب هؤلاء (المسيحيين حديثي الإيمان) أثقل من صليب المسيحي بالميلاد، لأنهم يحملون أكفانهم على أيديهم كل يوم ويعلمون أنهم في أي لحظة ممكن أن ينضموا إلى صفوف شهداء الكنيسة المنتصرة في أورشليم السمائية. لهذا هم جزء لايتجزأ عن الكنيسة المصرية ولايمكن لمن يدعي دفاعه عن حقوق المسيحيين في مصر أن ينكر وجود هؤلاء المسيحيين ليس حديثي الإيمان بل أقوياء الإيمان لأن المسيح طالب مثل هؤلاء الخراف الباحثة عنه
لهذا ينالون إضطهاداً ومحاربات شيطانية على أيدي أولاد العالم وبحسب شهوات أبيهم إبليس يفعلون بهؤلاء العابرين من ظلمات الموت لنور الإله الحي، فهم مضطهدون بحسب إعلان رب المجد: (أنظروا إلى نفوسكم، لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس، وتُجلدون في المجامع، وتقفون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم)(مر 13: 9)
لهذا فالكنيسة القبطية التي هي أم لجميع مؤمنيها والذي المسيح هو رأسها، عليها العودة لسابق خدمتها الأولى في التبشير والكرازة بإسم المسيح الذي أوصانا: ( فاذهبوا و تلمذوا جميع الامم و عمدوهم باسم الآب و الإبن و الروح القدس وعلوهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به)(متى28: 19)
وعلى كل مسيحي أن يكرز ويبشر بالمسيح ولا يخف من قوات الظلمة التي زرعت فكراً أسوداً شيطانياً بأن التبشير بالمسيح جريمة، ليحاول إبليس وأتباعه أن ينزعوا كلمة المسيح من قلوب المؤمنين الباحثين عن المسيح وعن محبته وعن خلاصه الأبدي، فهؤلاء المسيحيين الجُدد يريد المسيح أن يقطعهم من الزيتونة البرية الموحِشة، ليطعَّم بهم زيتونته الدسمة كما سبق وطعَّم بنا نحن الأمميين زيتونته ونحن في الأصل أمميون من الزيتونة البرية ( رومية11)
11: 17 فان كان قد قطع بعض الاغصان و أنت زيتونة برية طُعمت فيها فصرت شريكا في أصل الزيتونة و دسمها
11: 18 فلا تفتخر على الاغصان و أن افتخرت فانت لست تحمل الاصل بل الأصل إياك يحمل
11: 19 فستقول قُطعت الاغصان لاطعَّم أنا
11: 20 حسنا من اجل عدم الايمان قطعت و أنت بالايمان ثبت لا تستكبر بل خف
11: 21 لانه ان كان الله لم يشفق على الأغصان الطبيعية فلعله لا يشفق عليك أيضا
11: 22 فهوذا لطف الله و صرامته أما الصرامة فعلى الذين سقطوا و أما اللطف فلك إن ثبت في اللطف و ألا فانت ايضا ستقطع
11: 23 و هم ان لم يثبتوا في عدم الايمان سيُطعمون لان الله قادر ان يطعَّمهم أيضا.
فلا نفتخر ولانستكبر عليهم ولانتبرأ منهم كما يفعل بهم أولاد العالم، لأنهم أعضاء في جسد المسيح وفي زيتونته الدسمة، ولمن يهاجمون ويستنكرون ويقللون من هؤلاء المؤمنين الذين حاربوا العالم وإغراءاته لأجل حبهم للمسيح، أقول لهم لن تستطيعوا أن تنتزعوا أو تخطفوا أحد هؤلاء الخراف من أيدي راعيها الصالح لأنه يقول لكم:
( خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني، وأنا اعطيها حياة أبدية و لن تهلك إلى الأبد و لا يخطفها أحد من يدي)( يو10: 27- 28)